مجزرة إسرائيل الأخيرة التي ارتكبتها عن عمد فجر اليوم السبت في مدرسة التابعين في حي الدرج في غزة هي إجراء طبيعي في سياق خطتها المعلنة بتصفية القضية الفلسطينية عبر إفراغ غزة من شعبها بتهجير ما يتبقى منه بعد سلسلة المجازر التي تنفذها بمنهجية وتقصد وشراكة كاملة ومباشرة من الأميركي والغربي، وتواطؤ مخزٍ من دول في الإقليم، وصمتٍ وتغاضٍ غارقٍ بالعار من كل دول العالم التي تدَّعي دعم فلسطين وقضيتها التي تبقى محقة وعادلة رغم أنف كل من باعها وخانها.
الفكرة يمكن تلخيصها بكل بساطة ووضوح .. إسرائيل تريد فرضَ سطوتها وتفوقها بإجرامٍ أكثرَ وحشية وفجور مما سبق، إجرامٍ يتصاعد دون رادعٍ أو خوف، وهدفه الأهم تكريس الرعب منها في المنطقة لتكون دول هذه المنطقة أكثر انصياعاً ومطواعية أمام الإسرائيلي الذي تعمل الولايات المتحدة الأميركية ومعها الغرب على تنصيبه “سيداً للمنطقة”، بدعمٍ كاملٍ ومفتوح بكل ما يحتاجه هذا “السيد” من أدوات التطويع..
قوة أميركا التي ميَّزتها عن كل دول العالم ومنحتها التفوق الذي تريده هي استعدادها الكامل لارتكاب أفظع المجازر والإبادات والجرائم دون أن يَرِف لها جفن، (إلا من الفرح)، في سبيل تحقيق أهدافها الاستعمارية بكل ما يحمله الاستعمار من معانٍ مجرمة وقذرة .. هذه القوة ذاتها يستخدمها الإسرائيلي منذ زراعته في فلسطين لتحقيق أهدافه المجرمة التي تتوافق بشكل تام مع أهداف المشروع الغربي في المنطقة.
في المقابل .. أطرافٌ عدة، أقصى ما يمكنها فعله هو النجاة من الموت أو من الهزيمة عبر تقديم أعلى نسبة من الضحايا والقرابين والرِشى المادية بالأراضي والحقوق، وتحمل كل هذا الإجرام حتى يرضى ويكتفي المجرم من ذلك، وهذا لن يحصل بدليل مجزرة اليوم والمجازر التي ستليها.
مجتمعّ دولي .. مجتمعٌ إقليمي .. عربٌ .. إسلام .. أقطاب .. مَحَاور، كله عاجز ولا قيمة له على الإطلاق أمام الأميركي “سيد العالم” والإسرائيلي الذي يُكرِّسُ كِيانَه المُغتَصِب “سيداً للإقليم” ..
مجزرة اليوم لا تختلف عن سابقاتها ولن تختلف عن لاحقاتها إلا بعدد الضحايا ومكان استهدافهم .. لكنها ضمن معطيات الواقع الحالي عالي التوتر والسخونة في العالم وفي الإقليم سياسياً وعسكرياً وميدانياً تفرض على كل من يقول إنه يحارب أو يقاوم الاحتلال الإسرائيلي ومشروعه في المنطقة، أو يدافع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه، أن يكون له موقفاً واضحاً يُسهم في كبح جماح الفجور الإسرائيلي، إن كان عبر السلاح والميدان أو الاقتصاد أو السياسة، أو عبر التسليم بعدم القدرة في الفترة الزمنية الحالية على الردع الذي قد يوقف هذا الإجرام وهذا السيناريو الذي يتم تنفيذه رغم أنف من “يمانعه ويقاومه”.
الصهيوني قطَعَ العِرق وسيَّح دمَهُ، ويقول بكل صَلَفٍ وبَطَر: ردُّوها عليَّ إن استطعتم، سنحقق مشروعنا على أرضكم وبدمائكم وبتعاون بعضكم وغباء وتخاذل من تبقى، فماذا أنتم فاعلون؟..
محور الممانعة وقع في فخ “الإستراتيجيا وزيادة الأحمال” عبر تحميل نفسه مسؤوليات محلية وإسلامية وعربية وإقليمية ودولية وإنسانية وتحالفات سياسية وعسكرية في الصراع العالمي للوصول إلى النظام العالمي الجديد، لدرجة أنه أصبح غير قادر على القيام بأي حركة نتيجة ثِقَل ما تَنطَّح لحمله من أعباء وهموم ومسؤوليات هي في الواقع ليست بالضرورة ضمن مسؤولياته، ويجب أن لا تؤثر بأي شكلٍ من الأشكال على أولوياته الوطنية والمحلية.
ينطبق على المحور مقولة: (مين كبَّر الحجر ما ضرب)، فالمحور غير قادر الأن على تنفيذ أي ردٍ تفرضه وقائع ميدانه على أرضه، خوفاً من تحميله وزر أية كارثة أو مجزرة يرتكبها عدوه في أي جغرافيا يعلن المحور تواجده فيها أو دعمه لها، ويخطر في البال هنا المعادلة الفكاهية لحسني البورظان في مسلسل صح النوم الشهير: (إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا يجب أن نعرف ماذا في البرازيل) .. لذلك قد تفرض الحكمة مع الضرورة هنا اتباع التكتيك الذي يقول (رَحِمَ الله من عَرَف حدَّهُ فوقفَ عِندَه) .. وهذا التكتيك يتوافق بشكل كامل مع مبدأ الغاية الاستراتيجية ومقولة الصبر الاستراتيجي ..
أما نتنياهو وما يمثله من مشروع عريق في الاستعمار والاحتلالات وارتكاب الإبادات والمجازر بحق شعوب ودول بأكملها، فهو “مطمئن” أن الطرف الذي يمثله هو الأكثر “حنكةً وذكاء ودهاء وقدرةً على فرض سطوته وخياراته وأجنداته بالقوة الغاشمة التي تتطلبها كل ساحة من ساحات الصراع حسب ظروفها ومستلزمات إخضاعها، والأدلة تتم مراكمتها كل يوم، “واللي مش عاجبه “يشرب من بحر غزة” ..